إنّه يوم الجمعة.. عشرون جمادى الآخرة.. العام الخامس قبل البعثة.. حواء، آسيا ابنه مزاحم، سارة زوجة النبي إبراهيم(عليه السلام) ومريم ابنة عمران، يُحِطن بالسيدة خديجة بنت خويلد، الأم المتألمة، التي تركها نساء مكة غيرةً منها وحقدًا عليها، فالحبيب المصطفى محمد(صلى الله عليه وآله) قد اختارها دونهن، لتكون له زوجةً وسكنًا.
لحظات مرّت، وإذا ببيت النبوّة يزهو بمناغاة الطفلة المولودة، ويمتلئ سرورًا بابتسامتها المشرقة، وها هو الوالد يأتي إلى طفلته، يضمها إلى صدره والفرح والبِشرُ يعلو محياه، يدنيها منه ويهمس باسم (فاطمة) بأمر من الباري تعالى، فهي قد فُطِمت وشيعتها عن النار.
ولدت فاطمة(عليها السلام)، وهي تحمل روح رسول الله(صلى الله عليه وآله) وصفاته، وأخلاقه، فكانت الوارث والشبيه له.
وُلدت فاطمة(عليها السلام)، ودرجت في بيت النبوّة، وترعرت في ظلال الوحي، ورضعت مع لبن خديجة حب الإيمان، ومكارم الأخلاق..
عاشت الزهراء البتول(عليها السلام) في بيت يفيض بالأجواء الروحية والإلفة والمودّة العائلية، إلى أن حانت لحظة اليُتم بفراق أمّها خديجة، شريكة النبي (صلى الله عليه وآله) في جهاده، بعد أن عايشت معه حصار شُعب أبي طالب، وذاقت معه شظف العيش، وقساوة المقاطعة، ومرارة الجوع والحرمان، دفاعاً عن الحق وتضحية من أجل المبدأ، فاختارها الله لجواره وهي قد بلغت الخامسة والستين من عمرها الجهادي المشرق، وحياتها المثالية الفريدة في دنيا المرأة..
.. وتكبر فاطمة وتشب، ويشبّ معها حب أبيها لها، ويزداد حنانه عليها، وتبادله فاطمة هذا الحب، تحنو عليه حنو الأمهات على أبنائهن، وتملأ قلبه بالعطف والرعاية فيُسميها (أم أبيها).
نعم، لم يكن أحد أحب إلى قلب رسول الله(صلّى الله عليه وآله) وأقرب إلى نفسه من ابنته وقرّة عينه فاطمة(عليها السلام)، وكان (صلى الله عليه وآله) يؤكد دائمًا على هذه العلاقة ويوضح مقامها ومكانتها في أمته، وهو يمهد لأمر عظيم، وقدر خطير، يرتبط بها سلام الله عليها، وبالذرية الطاهرة التي أعقبتها، وبالأمة الإسلامية كلها.. كان يؤكد على ذلك ليعرف المسلمون مقام فاطمة(عليها السلام)، ومكانة الأئمة من ذريتها، ليعطوها حقها، ويحفظوا لها مكانتها، ويرعوا الذرية الطاهرة حق رعايتها..
وتتوالى الأيام وتمرّ السنوات، لتتجدد الأفراح يوم العشرون من جمادى الآخرة للعام 1320 للهجرة، وها هو السيد مصطفى يقف في الجناح الداخلي للبيت، تعصف به أنسجة الخيال، لا يطيق الانتظار، وقد بلغ حبّه وشوقه واضطرابه ذروته، ربما لأن الوليد المنتظر سيرى النور في ذكرى مولد الصدّيقة الطاهرة فاطمة(عليها السلام).
فجأة.. عمّ النسيم الرّياض، وخطّ ظلاله على مرآة الماء، وشعر السيد مصطفى بهدوء عاصفة القلب، وخيّم الهدوء والسكينة على روحه، ليدخل إلى الأم، ويرى الوليد الذي لُفّ بقماط أبيض، ذا سحر جذّاب. تأمله للحظة، ثم أحنى رأسه وطبع قبلة على وجنتيه الحمراوين مستمعاً إلى مناجاة الطفل الخفيّة في أعماق روحه (سلام عليّ يوم ولدت).
نعم، ولد روح الله الخميني الموسوي، وعاش حياته مستمدًا من جدته الزهراء(عليها السلام) عشقها لله تعالى، وذوبانها فيه، متعلمًا منها الوقوف بوجه الظالمين، متحدّيًا العالم كله، محقّقًا حلم الأنبياء بإقامة أول حكومة إسلامية، بالتوكل على الله تعالى والاقتداء بالنبي(صلى الله عليه وآله) وآله الأطهار(عليهم السلام)، ليغادر هذه الدنيا في الرابع من حزيران من العام 1989 ميلادية، مخاطبًا القلوب الهائمة به : "......... بفؤاد
هادئ وقلب مطمئن وروح هانئة، وضمير آمل بفضل الله، استأذن الأخوات والأخوة، وأسافر نحو المقر الأبدي..".
مرشدات المهدي
3193قراءة
2017-03-22 09:46:18