في بقعةٍ من أرض العراق، قد تكون الكوفة وما جاورها، أرسل الله نوحًا (عليه السلام) إلى قومه رسولاً وهاديًا، ومنذرًا، وبشيرًا، ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ .
وكما حال كلّ الأنبياء (عليهم السلام) لاقى نوحٌ (عليه السلام) تكذيبًا من قومه.
لم يكتفِ قومه بالكلام، بل تطاولوا عليه وضربوه حتى أُغشيَ عليه، ولما أفاق نوحٌ (عليه السلام) لم يدع عليهم، بل قال: اللهم اهدِ قومي، إنّهم لا يعلمون".
بقيَ نوحٌ (عليه السلام) يدعو قومه عسى أن يهتديَ أحدٌ منهم، وكان جواب قومه أخيرًا بأن ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾.
استمرّ نوحٌ يدعو قومه إلى عبادة التوحيد حتّى مرّت مئات من السنين، وكان الناس يموتون، وأطفال يولدون، وكان نوحٌ يدعوهم إلى عبادة الله، ولكنّ الأطفال الذين أصبحوا شبابًا كانوا يكفرون، ويعبدون الأصنام، لأنّ الرجل كان يأتي بولده وهو صغير إلى نوحٍ (عليه السلام) ويقول: انظر يا ولدي إلى هذا الشيخ، إنّه رجلٌ مجنون، وَلَدي إنْ بقيتَ بعدي فلا تطيعنّه، ولا تسمع قوله أبدًا، واحذر أن يخدعك فتترك عبادة آبائك.
فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه أن يصنع سفينة ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ ، فكفّ نوحٌ (عليه السلام) عن دعوة قومه، واختار مكانًا خارج القرية لبناء سفينةٍ كبيرةٍ.
كان نوحٌ نجارًا ماهرًا وكان عليه أن يجمع ألواحًا كثيرةً من الخشب. وجاء المؤمنون لمساعدته فراحوا يجمعون جذوع النخيل والأشجار ويصنعون منها ألواحًا بأحجامٍ مختلفة.
لم يترك الكفار نوحًا وشأنه، بل كانوا يأتون إلى مكان صنع السفينة ويسخرون منه، فهذا يقول: انظروا إلى هؤلاء المجانين يصنعون سفينةً في الصحراء، وهذا يقول: أين البحر الذي ستبحر فيه السفينة،...
لكنَّ نوحًا (عليه السلام) كان يواصل عمله بجدٍّ تحت حرارة شمس الصحراء، غير مبالٍ بسخريات قومه.
أصبح كلّ شيءٍ جاهزًا، ونوحٌ (عليه السلام) والمؤمنون ينتظرون أمر الله سبحانه وتعالى.
وذات يومٍ كانت السماء ملبّدةً بالغيوم السوداء، والفضاء مظلمٌ جدًّا، وسرعان ما علا نداء سام (ابن النبي نوح) من بعيد: "والدي لقد فار الماء من تنّور بيتنا!".
أدرك النبي (عليه السلام) أنّها علامة بدء الطوفان ونزول العقاب الإلهيّ على الكفّار، فجمع أصحابه المؤمنين وصاح بهم: "هيّا إلى السفينة". وانطلق جميع المؤمنين إلى السفينة، وأصعَدَ النبي معه من كلّ نوعٍ من الحيوانات زوجين اثنين، ومتاعًا وطعامًا كثيرًا.
توالى الرعد والبرق، وانهمرت الأمطار بغزارة، وأصبحت الأرض بحرًا كبيرًا متلاطم الأمواج.
لم ييأس نوحٌ (عليه السلام) من هداية قومه، صار يدعوهم ليركبوا معه، ولكنّهم لم يكترثوا لقوله، وشاهد ولده من بعيد وكان يركض باتّجاه الجبال، فناداه: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ لكنَّ الفتى لم يستجب لنداء أبيه، فما لبث أن غرق هو والكافرين.
وعمَّ الطوفان، والسفينة تطوف بقاع الأرض، حتّى أمر الله العاصفة بالتوقُّف وأن تبلع الأرض ماءها، فتوقَّف المطر، وأشرقت الشمس، واستقرَّت السفينة على جبل الجوديّ، وهبط نوحٌ (عليه السلام) ومن معه بسلام.
أمانة برامج الأشبال والبراعم
4195قراءة
2018-12-27 11:06:43