12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

القادة والعلماء >> معنى عاشوراء في فكر الإمام الخميني (قدس سره)

معنى عاشوراء
|في فكر الإمام الخميني (قُدّس سرّه)|

 

 

إنّ المعنى المراد من كلمة عاشوراء كان يطلق وحسب ابن منظور في لسان العرب على خصوص اليوم العاشر من المحرّم لخصوص ما حصل فيه من قتل سيّد الشهداء (عليه السلام)، 

وأصبحت فيما بعد تسمية تطلق خصوصًا في أيّامنا الحاضرة على العشر الأوائل من شهر محرّم الحرام حيث تُقام فيها مآتم ومجالس العزاء الحسينيّ لسيّد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).

 

والإمام الخمينيّ (قُدّس سرّه) وامتثالًا للأمر الصادر عن أهل البيت (عليهم السلام) بجعل كلّ يومٍ عاشوراء وكلْ أرضٍ كربلاء، رأى أنّ عاشوراء في الحقيقة منهجٌ وأسلوب عملٍ سياسيٍّ يُفترض أن لا تقف دونها الحدود والأزمنة. وحيث يكون الظلم والجور يُفترض أن يتحوّل المكان كربلاء. وفي الزمان الذي تُرتكب فيه الجرائم ويُضطهد الناس يكون الزمن عاشوراء.

 

على حدّ قول الشاعر:

 

كأنّ كلّ مكانٍ كربلاء لدى عيني، وكلّ زمانٍ يوم عاشورا 

 

• العمق العقائديّ لعاشوراء

 

1- الأنبياء (عليهم السلام) وتربية الإنسان:

قبل البحث في نظرة وخطاب عاشوراء للإمام الخميني (قُدّس سرّه) لا بدّ من فهم خلفيّات هذه النظرة وهذا الخطاب، من حيث التفسير العقائديّ لفهم حركة الإمام الحسين (عليه السلام) باعتباره حاملًا لإرث النبوات جميعًا1.

يقول الإمام (قُدّس سرّه): "... فالإنسان لا يمكنه أن يدرك سوى علام الطبيعة وكلّما ينظر بالمكبّر والمجهر، فإنّ عالم ما وراء الطبيعة لا يشاهد بها، بل إنّه بحاجةٍ إلى معاني أخرى في العمل، وبما أنّ هذه العلاقات خاف ية على البشر، ولا يعلم بها إلّا الباري جلّ وعلا، الذي خلق كلّ شيءٍ، لذا فإنّ الوحي الإلهي ينزل على أشخاصٍ وصلوا مرحلة الكمال ونالوا الكمالات المعنويّة وفهموا، وتتحقّق علاقةٌ بينهم وبين عالم الوحي ويوحى إليهم، ويبعثوا لتربية الجانب الآخر من الإنسان فيأتون إلى الناس ليربّوهم"2.

وعن الهدف من بعثة الأنبياء يقول الإمام الخمينيّ (قُدّس سرّه): "إنّ الهدف الذي بُعث من أجله الأنبياء وجميع الأعمال الأخرى هي مقدّمة له ألا وهو نشر التوحيد، ومعرفة الناس بالعالم ورؤيته كما هو لا بالشكل الذي ندركه وبذلوا جهودهم ليكون كلّ التهذيب والتعليم، وتنصبّ جميع الجهود لإنقاذ الناس من هذه الظلمة التي تسيطر على العالم إلى النور..."3.

إذن بحسب الإمام الخمينيّ (قُدّس سرّه) أنّ الهدف النهائيّ لجميع النبوات هو معرفة الله وإخراج الناس من ظلمات الجهل والجاهليّة إلى النور، نور المعرفة والعبوديّة لله وعن ذلك يقول (قُدّس سرّه): "إنّ جميع أهداف الأنبياء تعود إلى كلمةٍ واحدةٍ هي معرفة الله وكلّ شيءٍ مقدّمةً لهذا الهدف".

 

2- الطريق إلى الهدف النهائي:

صحيحٌ أنّ هدف النبوات والرجال الإلهيّين والأئمّة هو بناء الإنسان والإنسانيّة العارفة بالله والموحِّدة له، والعاملة بطاعته، ولكن في الطريق إلى الوصول لهذه الأهداف هناك وظيفتان يراها الإمام الخمينيّ (قُدّس سرّه) للأنبياء (عليهم السلام): 

أ- وظيفةٌ معنويّةٌ: وهي دعوة الناس إلى التوحيد.

ب- وظيفةٌ عمليّةٌ: إنقاذ المستضعفين من الظلم.

وعن ذلك يقول (قُدّس سرّه): "لقد بُعث الأنبياء من أجل تنمية معنويّات الناس واستعداداتهم حتّى يفهموا ـ من خلال تلك الاستعدادات ـ بأنّنا لا شيء، وإضافةً إلى ذلك إنقاذ الناس، وإنقاذ الضعفاء من نير الاستكبار، وكانت للأنبياء منذ البداية هاتان الوظيفتان، وظيفةٌ معنويّةٌ لإنقاذ الناس من أسر النفس وأسر ذاتها (لأنّ الذات شيطان)، وإنقاذ الناس والضعفاء من سلطة الظالمين، هاتان الوظيفتان هما وظيفة الأنبياء، وعندما يلاحظ الإنسان النبيّ موسى والنبيّ إبراهيم (عليهما السلام)، وما نقل عنهما في القرآن، فإنّه يرى بأنّهما قاما بهاتين الوظيفتين: دعوة الناس إلى التوحيد وإنقاذ المستضعفين من الظلم...

إنّ هذين الأمرين نراهما بالعيان في القرآن والسنّة ونراهما في نفس عمل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فالقرآن دعا إلى المعنويّات إلى ذلك الحدّ الذي يتمكّن فيه الإنسان من الوصول إليه وفوق ذلك وأيضًا دعا إلى إقامة العدل"4.

ولعلّ الإمام (قُدّس سرّه) يشير بذلك إلى قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾5.

وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾6.

 

3- المهمّة الإصلاحيّة للقادة الإلهيين:
 

يرى الإمام الخمينيّ (قُدّس سرّه) أنّ هناك وظيفتين أساسيّتين هما نشر عقيدة التوحيد والعدل، وقيام الناس بالقسط. وهذا يقتضي إزالة الموانع والمعوّقات المادّيّة والمعنويّة وبمعنًى أخر القيام بعمليّة إصلاح البشريّة، وعن ذلك يقول الإمام (قُدّس سرّه): "إنّ جميع الأنبياء منذ بداية البشر والبشريّة، ومنذ مجيء آدم (عليه السلام) وحتّى خاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إنّما استهدفوا إصلاح المجتمع وجعلوا الفرد فداءً للمجتمع، إنّنا لا نملك شخصًا أسمى من الأنبياء أو من هو أسمى من الأئمّة (عليهم السلام)، وهؤلاء ضحّوا بأنفسهم في سبيل المجتمع، ويقول الباري جلّ وعلا أنّه بعث الأنبياء وأعطاهم البيّنات والآيات والميزان (ليقوم الناس بالقسط) فالغاية قيام الناس بالقسط. وأن تتحقّق العدالة الاجتماعيّة بين الناس، ويزول الظلم ويحلّ الاهتمام بالضعفاء والقيام بالقسط"7.

 

4- الحرب والجهاد في حركة الإصلاح:
 

فكما اتضح أنّ الهدف هو قيام الناس بالقسط، والواسطة أمران، الهداية بوساطة العلم "الآيات، والكتاب، والبيّنات، والميزان"، وإن لم ينفع ذلك يكمل الإمام حديثه السابق فيقول: "...  ثمّ يقول بعد تلك الآية ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ فما هو الارتباط؟ إنّ ذلك يعني أنّ تحقُّق (هذه الأهداف) يكون بالحديد وبالبيّنات، والحديد "فيه بأسٌ شديدٌ" أي إذا أراد شخصٌ أو مجموعةٌ معيّنةٌ القضاء على المجتمع، أو على تلك الحكومة العادلة فإنّه ينبغي التحدّث معها بالبيّنات، فإن لم ينفع ذلك، فبالموازين العقليّة، وإن لم ترتدع وتتعقّل فبالحديد"8.

ويقول (قُدّس سرّه): "الأنبياء العظام السابقون والرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، في الوقت الذي يحملون فيه الكتب السماويّة في يدٍ من أجل هداية الناس، كانوا يحملون ال سلاح في اليد الأخرى، فإبراهيم (عليه السلام) كان يحمل الصحف في يدٍ، والفأس في يدٍ أخرى للقضاء على الأصنام، وكان كليم الله موسى (عليه السلام) يحمل التوراة في يدٍ والعصا في يدٍ أخرى، تلك العصا التي أذلّت الفراعنة، وتحوّلت إلى أفعى وابتلعت الخائنين، وكان النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يحمل القرآن في يدٍ والسيف في الأخرى، فالسيف للقضاء على الخائنين والقرآن للهداية..."9.

ويقول أيضًا: "إنّ نهضة الأنبياء كانت دومًا هكذا، وهو أن يبرز شخص من بين المؤمنين من الطبقة المستضعفة ويُنتَخب للدعوة، وأحد أعماله جمع الناس المستضعفين، ودعوتهم ليقفوا مقابل المستكبرين، ويهيِّئهم لذلك العمل"10.

فمن مهام الأنبياء، بناء الأجيال المجاهدة والمقاومة للاستكبار. وذلك لأنّ من صلب مهام الأنبياء، تدمير ودكّ عروش ومعاقل الظالمين من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى تحطيم وتدمير معاقل الوثنيّة، والعبوديّة لغير الله؛ وعن ذلك يقول (قُدّس سرّه): "لقد جاءت النبوّة وبُعث النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أجل تحطيم معاقل الظالمين الذين يظلمون الناس، وإنّ معاقل الظلم هذه قد قامت أسسها على كدح هؤلاء الضعفاء وعلى دمائهم واستثماراتهم، حتّى أصبحت قصورًا عاليةً؛ كان مجيء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لتحطيم هذه المعاقل، وقلع جذور الظلم هذه. ومن جانبّ آخر، فلأنّ الهدف أيضًا بسط التوحيد فقد قام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهدم مراكز عبادة غير الخالق جلّ وعلا، ومراكز عبدة النار، وأطفأ نيرانهم"11.

 

 5- الإصلاح ورفض الظلم عند الأئمّة (عليهم السلام):
 

ينظر الإمام (قُدّس سرّه) إلى أنّ موقع الإمام المعصوم هو حراسة القوانين والأحكام التي أراد الله ورسوله تطبيقها من حيث كونها أحكام، وتطبيقها بلا أخطاء12. وهذا يفترض صيانة الشرع عن التحريف، والعمل على إصلاح الأمّة، وتطبيق أحكام  الله فيها، لأنّ التشويه والتحريف قد يكون بالتطبيق، ولقد سبق أن مرّت عبارةٌ للإمام في ما مرّ من الفقرات حول هدف  الدين الذي هو إقامة العدل في المجتمع، وتَقدّم أيضًا إشارته (قُدّس سرّه) إلى أنّ المجتمع مقدّمٌ على الفرد، ولذلك قال: "إنّ جميع الأنبياء وحتّى خاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنّما استهدفوا إصلاح المجتمع وجعلوا الفرد فداءً للمجتمع، إنّنا لا نملك شخصًا أسمى من الأنبياء أو من هو أسمى من الأئمّة (عليهم السلام)، فهؤلاء ضحّوا بأنفسهم في سبيل المجتمع"13.

ولعلّها إشارةٌ منه (قُدّس سرّه) إلى مقولة الإمام الحسين (عليه السلام): " إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر".

ويقول (قُدّس سرّه) عن الأئمّة جميعًا: "إنّنا نفخر لأنّ الأئمّة المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم) سُجنوا ونُفوا من أجل تعالي الدين الإسلاميّ ومن أجل تطبيق القرآن الكريم، الذي يعتبر أنّ تشكيل حكومة العدل أحد أبعاده، واستشهدوا في النهاية في طريق الإطاحة بالحكومات الجائرة وطواغيت زمانهم"14.

ومن كان إمامه كعليٍّ والحسين (عليهما السلام)، فلا بدّ أن يتّبعهما في رفض الظلم ومقاومته، فإنّ الإمام الخمينيّ (قُدّس سرّه) يقول: "إنّ أحد خصائص التشيّع الذاتيّة منذ البداية وحتّى اليوم هي المقاومة والانتفاض بوجه الدكتاتوريّة والظلم، حيث يشاهَد ذلك على طول تاريخ الشيعة..."15.

 

6- عاشوراء والأهداف العظمى:
 

فعاشوراء بالنسبة للإمام الخمينيّ (قُدّس سرّه) هي حركةٌ نابعةٌ ممّا يراه لدور الأديان والنبوات والإمامة وحركتهم، وكذلك حركة المنتسبين إلى الدين والمتشيّعين لأئمّة أهل البيت التي تتلخّص في القيام بمهمّتَي نشر عقيدة التوحيد وإقامة حكومة العدل الإلهي.

وعاشوراء، قيامٌ لله من أجل إصلاح الأمّة وتقويم سلوكها، في سبيل تحقيق وحفظ تلك الأهداف العظمى  على حفظ نفس المعصوم.

وعن ذلك يقول (قُدّس سرّه): "لقد بُعث الأنبياء لإصلاح المجتمع، وكلّهم كانوا يؤكّدون أنّه ينبغي التضحية بالفرد من أجل المجتمع، مهما كان الفرد عظيمًا، وحتّى لو كان الفرد أعظم من في الأرض، فإذا اقتضت مصلحة المجتمع التضحية بهذا الفرد فعليه أن يضحّي... وعلى هذا الأساس نهض سيّد الشهداء (عليه السلام)، وضحّى بنفسه وأصحابه وأنصاره، فالفرد يفدي في سبيل المجتمع، فإذا اقتضت مصلحة المجتمع على تضحيته وجبت عليه التضحية؛ إنّ العدالة ينبغي أن تتحقّق بين الناس ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾"16.

ويقول كذلك: "إنّ حياة سيّد الشهداء (عليه السلام) وحياة الإمام المهديّ صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) وجميع الأنبياء، من آدم (عليه السلام) حتّى الرسول الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كانت تدور حول محور إرساء وإقامة حكومة العدل في مقابل الظلم"17.

فعاشوراء على ضوء منهج الإمام الخمينيّ (قُدّس سرّه) تنبع من المكوّن العقائديّ لفهم أهداف ووظائف النبوّة والإمامة، لكونها تجليًّا عمليًّا موضّحًا ومشرّعًا لسلوك طريق النهضة والثورة والمعارضة جهادًا واستشهادًا. بما لها من علقة من جهة البيان العمليّ لمقولة: ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾18.

 

هوامش
1- راجع زيارة وارث وغيرها من الزيارات الخاصّة بالإمام الحسين (عليه السلام) في مفاتيح الجنان وأمثاله من الكتب المختصّة.
2- منهجيّة الثورة الإسلاميّة ص45.
3- منهجيّة الثورة الإسلاميّة ص48 و49.
4- منهجيّة الثورة الإسلاميّة ص51.
5- الحديد: 25.
6- الأنبياء: 73.
7- منهجيّة الثورة الإسلاميّة ص51 و52.
8- ن.م. ص52.
9- منهجيّة الثورة الإسلاميّة ص56 و57.
10- منهجيّة الثورة الإسلاميّة ص57.
11- منهجيّة الثورة الإسلاميّة ص11.
12- منهجيّة الثورة الإسلاميّة ص52.
13- منهجيّة الثورة الإسلاميّة ص52.
14- منهجيّة الثورة الإسلاميّة ص470.
15- منهجيّة الثورة الإسلاميّة ص127.
16- نهضة عاشوراء ص46.
17- نهضة عاشوراء ص47.
18- الحديد: 25.

مهدي
2179قراءة
2016-01-20 19:57:28

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا