12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

شذرات العترة عليهم السلام >> وليد الكعبة

وليد الكعبة
وليد الكعبة

 

من العجائب التي أضافت صوتاً ضارباً في التاريخ وأحداثه الفريدة التي تفتح الأعين على ما تخفيه من أسرار، أن يصطفي الله لعبد اصطفاه ، حتى موضع مولده ، ليجمع له ـ مع طهارة مولده ـ شرف المحل ، محل الولادة ، ويخصّه بمكرمةٍ ميَّزه بها منذ ساعة مولده عن سائر البشر.

هكذا كان مولد عليِّ بن أبي طالب سلام الله عليه ، في البيت العتيق في الكعبة الشريفة.

وكان ذلك يوم الجمعة ، الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة (1) . قبل البعثة بعشر سنين (2) . حوالي عام 600 م (23 قبل الهجرة) ، وقيل : « ولد سنة ثمان وعشرين من عام الفيل » (3) .

ولعلّه في مثل هذا اليوم الذي وُلِد فيه أمير المؤمنين ، قد وُلِد الألوف من البشر ، لكنَّ ولادته مثَّلت حدثاً عجيباً تجلَّت به الأسرار ، وتلبَّست بالحكمة الربَّانية.

كانت مثاراً للدهشة الأبدية ، فقد وضعت فاطمة وليدها في البيت العتيق! في مكان عبادة لا ولادة ، أليس ذلك بالشيء العظيم ؟!
ويسجل التاريخ ذاك الفخر الذي ظهر فيه عليٌّ عليه السلام مديراً ظهره للأصنام التي كانت الكعبة الشريفة تضجُّ بها ، وعن قريب سينهض هذا الوليد على كتف رسول الله ليلقي بها أرضاً ، تحت بطون الأقدام!!

تلك ولادة أكرمه الله بها ، فشاركته أمُّه الكريمة في فخرها..
إنَّ أُمَّه فاطمة بنت أسد لمَّا ضربها الطلق ، جاءت متعلِّقة بأستار الكعبة الشريفة ، من شدة المخاض ، مستجيرة بالله وَجِلةً ، خشية أن يراها أحد من الذين اعتادوا الاجتماع في أُمسياتهم في أروقة البيت أو في داخله ، فانحازت ناحية وتوارت عن العيون خلف أستار البيت ، واهِنةً مرتعشة أضنتها آلام المخاض؛ فألصقت نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول :

« يا ربِّ ، إنِّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإنِّي مصدِّقة بكلام جدِّي إبراهيم وأنَّه بنى البيت العتيق ، فبحقِّ الذي بنى هذا البيت وبحقِّ المولود الذي في بطني الا ما يسرت عليَّ ولادتي ».

قال يزيد بن قعنب : فرأيت البيت قد انشقَّ عن ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله ، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أنَّ ذلك من أمر الله تعالى ، ثُمَّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام (4) .

وهو حديث جدير كذلك أن يخلّده الشعراء :

أنشد الحميري (ت 173 هـ) :

وَلدَتْهُ في حرم الإلـه وأمنـه * والبيت حيـث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمـة * طابت وطاب وليدهـا والمولد
ما لُفَّ في خِرَقِ القوابِل مِثلُه * إلاّ ابــن آمنةَ النبـيِ محمّد

 

 


وله أيضاً في أمير المؤمنين عليه السلام :

طبـتَ كهلاً وغلاماً * ورضيعـاً وجنينـا
ولدى الميثاق طينـاً * يوم كان الخلقُ طينا
وببطن البيت مولوداً * وفي الرمل دفينا

وقال عبدالباقي العمري في عينيته الشهيرة :

أنت العليّ الذي فوق العُلى رُفعا * ببطن مكة عند البيت إذ وُضعا

وعقّب عليه أبو الثناء الآلوسي في شرحه هذه القصيدة ـ شرح عينية عبدالباقي العمري ـ ما نصه : « وفي كون الأمير كرّم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا ، وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة... ولم يشتهر وضع غيره كرّم الله وجهه كما اشتهر وضعه ، بل لم تتفق الكلمة عليه ، وأحرى بإمام الأئمّة أن يكون وضعه في ما هو قبلة للمؤمنين ، سبحان من يصنع الأشياء ، وهو أحكم الحاكمين».


____________
1) أنظر إعلام الورى 1 : 306 ، إرشاد المفيد 1 : 5 ، عليٌّ وليد الكعبة | الأوردبادي : 3 منشورات مكتبة الرضوي ، كشف الغمَّة | العلأَمة المحقِّق الأربلي 1 : 5.
2) الإصابة | ابن حجر 2 : 507.
3) كشف الغمَّة 1 : 59.
4) كشف الغمَّة 1 : 60.

مهدي
1650قراءة
2016-01-01 16:29:59

تعليقات الزوار


الأنشطة الثقافية