12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

المناسبات الإسلامية >> قصّة الغدير


قصّة الغدير
كان جبرئيل (عليه السلام) في حجة الوداع وظروفها المصيرية ينزل على النبي (صلى الله عليه وآله )بأوامر ربه، وقد يكون رافقه طوال موسم الحج، وأملى عليه عبارات خطبه.. وكان مما قال له في المدينة: "يا محمد إن الله (عز وجل) يقرؤك السلام ويقول لك إنه قد دنا أجلك، وإني مستقدمك عليَّ، ويأمرك أن تدل أمتك على حجهم، كما دللتهم على صلاتهم وزكاتهم وصيامهم."

وحج النبي (صلى الله عليه وآله )بالمسلمين، وعلمهم حجهم، وواصل تركيز مبادئ الإسلام في نفوسهم، ومكانة الأئمة من عترته، كما مر في حديث الأئمة الإثني عشر، وحديث الثقلين، وحديث فرض الخمس لهم، وتحريم الصدقات عليهم... إلخ.

وفي آخر أيام الحج نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) بأن: "الله تعالى يأمرك أن تدل أمتك على وليهم، فاعهد عهدك، واعمد الى ماعندك من العلم وميراث الأنبياء فورثه إياه، وأقمه للناس علماً، فإني لم أقبض نبياً من أنبيائي إلا بعد إكمال ديني، ولم أترك أرضي بغير حجة على خلقي...الخ.

فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله )يفكر في طريقة الإعلان، نظراً إلى وضع قريش المتشنج، وقال في نفسه: " أمتي حديثوا عهد بالجاهلية ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل، ويقول قائل!".

لذلك قرر أن ينفذ هذا الأمر الإلهي الجديد في عترته، بعد رجوعه إلى المدينة، بالتمهيد المناسب، وبمعونة الأنصار..

الوحي يوقف القافلة النبوية:

ورحل النبي (صلى الله عليه وآله )من مكة وهو ناوٍ أن يكون أول عمل يقوم به في المدينة إعلان ولاية عترته، كما أمره ربه تعالى.

لكن في اليوم الثالث من مسيره، عندما وصل إلى كراع الغميم، وهو كما في مراصد الإطلاع - (موضع بين مكة والمدينة، أمام عسفان بثمانية أميال)- جاءه جبرئيل (عليه السلام) لخمس ساعات مضت من النهار، وقال له: يا محمد إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول لك }يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس، إن الله لايهدي القوم الكافرين {.

فخاف النبي (صلى الله عليه وآله ) وخشع لربه، وتَسَمَّرَ في مكانه، وأصدر أمره إلى المسلمين بالتوقف، وكان أولهم قد وصل إلى مشارف الجحفة، وكانت الجحفة بلدةً عامرةً على بعد ميلين أو أقل من كراع الغميم، ولكن النبي (صلى الله عليه وآله )أراد تنفيذ الأمر الإلهي المشدد فوراً، في المكان الذي نزل فيه الوحي..

قال (صلى الله عليه وآله )للناس أنيخوا ناقتي فوالله ما أبرح من هذا المكان حتى أبلغ رسالة ربي.. وأمرهم أن يردوا من تقدم من المسلمين إليه، ويوقفوا من تأخر منهم حين يصلون إليه..

ونزل الرسول عن ناقته، وكان جبرئيل إلى جانبه، ينظر إليه نظرة الرضا، وهو يراه يرتجف من خشية ربه، وعيناه تدمعان خشوعاً وهو يقول: تهديدٌ.. ووعدٌ ووعيدٌ.. لأمضين في أمر الله، فإن يتهموني ويكذبوني فهو أهون علي من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة !

وقبل أن يفارقه جبرئيل أشار إليه على يمينه فإذا دوحة أشجار.. فودع النبي جبرئيل ومال إليها، وحطَّ رحال النبوة عند غدير خُمٍّ.

قال بعض المسلمين: فبينما نحن كذلك، إذ سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله )وهو ينادي: أيها الناس أجيبوا داعي الله.. فأتيناه مسرعين في شدة الحر، فإذا هو واضعٌ بعض ثوبه على رأسه.

ونادى منادي النبي (صلى الله عليه وآله )في الناس بالصلاة جامعة، ووقت الصلاة لم يَحُنْ بَعْدُ ولكن حانت قبلها ( صلاةٌ ) أخرى لابد من أدائها قبل صلاة الظهر ! إنها فريضة ولاية عترته الطاهرة، ولا بد أن يبلغها عن ربه إلى المسلمين مهما قال فيه قائلون، وقال فيهم قائلون !! فقد شدد عليه ربه في ذلك، وأفهمه أن مسألة عترته ليست مسألة شخصية تخصه.. وأنك إن كنت تخشى الناس، فالله أحق أن تخشاه وسيعصمك منهم، فاصدع بما تؤمر !!

ونزل المسلمون حول نبيهم (صلى الله عليه وآله)، وكان ذلك اليوم قائظاً شديد الحر، فأمرهم أن يكسحوا تحت الأشجار لتكون مكاناً لخطبة الولاية، ثم للصلاة في ذلك الهجير، وأن ينصبوا له أحجاراً كهيئة المنبر، ليشرف على الناس، فيرونه ويسمعهم كلامه..

ورتب المسلمون المكان والمنبر، ووضعوا على أحجاره حدائج الإبل، فصار منصة أكثر ارتفاعاً، وحسناً..

وورد المسلمون ماء الغدير فشربوا منه، واستقوا، وتوضؤوا..

وتجمعوا لاستماع خطبة نبيهم (صلى الله عليه وآله )قبل الصلاة، ولم يتسع لهم المكان تحت دوحة الغدير، وكانت ستَّ أشجارٍ كبيرة، فجلس كثير منهم في الشمس، أو استظل بظل ناقته..

عرفوا أن أمراً قد حدث، وأن النبي (صلى الله عليه وآله )سيخطب.. فقد نزل عليه وحيٌ أوحدث أمرٌ مهمٌ أوجب أن يوقفهم في هذا الهجير، ولا يصبر عليهم حتى يصلوا إلى مدينة الجحفة العامرة، التي تبعد عنهم ميلين فقط !

كان مجموع من شارك في حجة الوداع مئة ألف إلى مئة وعشرين ألفاً، كما ذكرت الروايات، ولكن هذا العدد كان في عرفات ومنى.. أما بعد أداء الحج فقد توزعوا، فمنهم من أهل مكة رجعوا إليها، ومنهم بلادهم عن طريق الطائف فسلكوا طريقها، وآخرون بلادهم عن طريق جدة وما إليها..

أما الذين كانوا مع النبي (صلى الله عليه وآله )ومناطقهم عن طريق الجحفة والمدينة فكانوا عدة ألوف.. عشرة آلاف أو أكثر.. فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) مؤرخاً تضييع قريش لحادثة الغدير

( العجب مما لقي علي بن أبي طالب ! إنه كان له عشرةُ آلافِ شاهدٍ ولم يقدر على أخذ حقه، والرجل يأخذ حقه بشاهدين! ). الوسائل: 18/17.

* * *

لم يدم طويلاً تطلع المسلمين إلى ما سيفعله النبي (صلى الله عليه وآله ) وما سيقوله.. فقد رأوه صعد على منبر الأحجار والأحداج، وبدأ باسم الله تعالى وأخذ يرتل قصيدة نبوية في حمد الله تعالى والثناء عليه.. ويشهد الله والناس على عبوديته المطلقة لربه العظيم.

ثم قدم لهم عذره، لأنه اضطر أن ينزلهم في مكان قليل الماء والشجر، ولم يمهلهم حتى يصلوا إلى بلدة الجحفة المناسبة لنزول مثل هذا القافلة الكبيرة، المتوفر فيها ما يحتاج إليه المسافر.. ولا انتظر بهم وقت الصلاة، بل ناداهم قبل وقتها، وكلفهم الاستماع إليه في حر الظهيرة..

أخبرهم (صلى الله عليه وآله )أن جبرئيل (عليه السلام) نزل عليه في مسجد الخيف، وأمره أن يقيم علياً للناس.. ثم قال لهم: إن الله عز وجل بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً، وخفت الناس أن يكذبوني، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني أمتي حديثوا عهد بالجاهلية، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي، يقول قائل، ويقول قائل! فأتتني عزيمة من الله بتلة (قاطعة) في هذا المكان، وتواعدني إن لم أبلغها ليعذبني. وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة من الناس، وهو الكافي الكريم، فأوحى إلي ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس، إن الله لايهدي القوم الكافرين)

ثم قال (صلى الله عليه وآله ): لاإله إلا هو، لايؤمن مكره، ولا يخاف جوره، أقرُّ له على نفسي بالعبودية، وأشهد له بالربوبية، وأؤدي ما أوحى إلي، حذراً من أن لاأفعل فتحل بي منه قارعةٌ، لايدفعها عني أحدٌ، وإن عظمت حيلته.

أيها الناس إني أوشك أن أدعى فأجيب، فما أنتم قائلون ؟

فقالوا نشهد أنك قد بلغت ونصحت.

فقال أليس تشهدون أن لاإله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الجنة حقٌ وأن النار حقٌ وأن البعث حق ؟

قالوا يا رسول الله بلى.

فأومأ رسول الله إلى صدره وقال وأنا معكم.

ثم قال رسول الله أنا لكم فرط، وأنتم واردون عليَّ الحوض، وسعته ما بين صنعاء إلى بصرى، فيه عدد الكواكب قِدْحان، ماؤه أشد بياضاً من الفضة.. فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين.

فقام رجل فقال يا رسول الله وما الثقلان ؟

قال الأكبر كتاب الله، طرفه بيد الله وسبب طرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تزلوا ولا تضلوا.

والأصغر عترتي أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض.. سألت ربي ذلك لهما، فلا تقدموهم فتهلكوا، ولا تتخلفوا عنهم فتضلوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

أيها الناس ألستم تعلمون أن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأني أولى بكم من أنفسكم ؟

قالوا بلى يا رسول الله.

قال قم يا علي. فقام علي، وأقامه النبي (صلى الله عليه وآله )عن يمينه، وأخذ بيده ورفعها حتى بان بياض إبطيهما، وقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار. فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر، وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك والصغير والكبير".

فقام أحدهم فسأله وقال يا رسول الله ولاؤه كماذا ؟

فقال (صلى الله عليه وآله ): ولاؤه كولائي، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه !

وأفاض النبي (صلى الله عليه وآله )في بيان مكانة علي والعترة الطاهرة والأئمة الإثني عشر من بعده علي والحسن والحسين، وتسعة من ذرية الحسين، واحدٌ بعد واحد، مع القرآن والقرآن معهم، لايفارقونه ولا يفارقهم، حتى يردوا عليَّ حوضي...

ثم أشهد المسلمين مراتٍ أنه قد بلغ عن ربه.. فشهدوا له..

وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب.. فوعدوه وقالوا: نعم..

وقام إليه آخرون فسألوه... فأجابهم..

* * *

وما أن أتم خطبته، حتى نزل جبرئيل بقوله تعالى }اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً{. فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله )وقال الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، وولاية علي بعدي..

ونزل عن المنبر، وأمر أن تنصب لعلي خيمة، وأن يهنئه المسلمون بولايته عليهم.. حتى أنه أمر نساءه بتهنئته، فجئن إلى باب خيمته وهنأنه !

وكان من أوائل المهنئين عمر بن الخطاب فقال له: بخٍ بخٍ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة !

وجاء حسان بن ثابت، وقال: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتاً تسمعهن، فقال: قل على بركة الله، فأنشد حسان:

يناديهمُ يـوم الغديـر نبيُّهـــُــمْ ***** بخمٍّ فأسمع بالرسول مناديـــا

يقول فمن مولاكم ووليُّكُـــــمْ ***** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مـولانا وأنت وليـــــــنـا ***** ولم تر منا في الـولاية عاصيا

فقال له قم يا عـــليُّ فإننـــي ***** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليــــه ***** فكـونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعـا اللهم وال وليــــه ***** وكن للذي عــــادى علياً معاديا
* * *

 

 

مهدي
4737قراءة
2016-01-19 19:53:56

تعليقات الزوار


doha tarhini