فضل القرآن في خطب نهج البلاغة
خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) يعظ ويبين فضل القرآن وينهى عن البدعة
انْتَفِعُوا بِبَيَانِ اللَّهِ واتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِ اللَّهِ واقْبَلُوا نَصِيحَةَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ واتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ وبَيَّنَ لَكُمْ مَحَابَّهُ مِنَ الأعْمَالِ ومَكَارِهَهُ مِنْهَا لِتَتَّبِعُوا هَذِهِ وتَجْتَنِبُوا هَذِهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَ يَقُولُ إِنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ وإِنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ واعْلَمُوا أَنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ شَيْءٌ إِلا يَأْتِي فِي كُرْهٍ ومَا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ شَيْءٌ إِلا يَأْتِي فِي شَهْوَةٍ فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِهِ وقَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ فَإِنَّ هَذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْءٍ مَنْزِعاً وإِنَّهَا لا تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِيَةٍ فِي هَوًى واعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لا يُصْبِحُ ولا يُمْسِي إِلا ونَفْسُهُ ظَنُونٌ عِنْدَهُ فَلا يَزَالُ زَارِياً عَلَيْهَا ومُسْتَزِيداً لَهَا فَكُونُوا كَالسَّابِقِينَ قَبْلَكُمْ والْمَاضِينَ أَمَامَكُمْ قَوَّضُوا مِنَ الدُّنْيَا تَقْوِيضَ الرَّاحِلِ وطَوَوْهَا طَيَّ الْمَنَازِلِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لا يَغُشُّ والْهَادِي الَّذِي لا يُضِلُّ والْمُحَدِّثُ الَّذِي لا يَكْذِبُ ومَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى واعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ ولا لأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ واسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ وهُوَ الْكُفْرُ والنِّفَاقُ والْغَيُّ والضَّلالُ فَاسْأَلُوا اللَّهَ بِهِ وتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ ولا تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ واعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وقَائِلٌ مُصَدَّقٌ وأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ ومَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِهِ وعَاقِبَةِ عَمَلِهِ غَيْرَ حَرَثَةِ الْقُرْآنِ فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وأَتْبَاعِهِ واسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّكُمْ واسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ واتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ واسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ.
الْعَمَلَ الْعَمَلَ ثُمَّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةَ والاسْتِقَامَةَ الاسْتِقَامَةَ ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ والْوَرَعَ الْوَرَعَ إِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ وإِنَّ لَكُمْ عَلَماً فَاهْتَدُوا بِعَلَمِكُمْ وإِنَّ لِلإسْلامِ غَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى غَايَتِهِ واخْرُجُوا إِلَى اللَّهِ بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ وبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ وَظَائِفِهِ أَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ وحَجِيجٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْكُمْ.
أَلا وإِنَّ الْقَدَرَ السَّابِقَ قَدْ وَقَعَ والْقَضَاءَ الْمَاضِيَ قَدْ تَوَرَّدَ وإِنِّي مُتَكَلِّمٌ بِعِدَةِ اللَّهِ وحُجَّتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ وقَدْ قُلْتُمْ رَبُّنَا اللَّهُ فَاسْتَقِيمُوا عَلَى كِتَابِهِ وعَلَى مِنْهَاجِ أَمْرِهِ وعَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِبَادَتِهِ ثُمَّ لا تَمْرُقُوا مِنْهَا ولا تَبْتَدِعُوا فِيهَا ولا تُخَالِفُوا عَنْهَا فَإِنَّ أَهْلَ الْمُرُوقِ مُنْقَطَعٌ بِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِيَّاكُمْ وتَهْزِيعَ الأخْلاقِ وتَصْرِيفَهَا واجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً ولْيَخْزُنِ الرَّجُلُ لِسَانَهُ فَإِنَّ هَذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِهِ واللَّهِ مَا أَرَى عَبْداً يَتَّقِي تَقْوَى تَنْفَعُهُ حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَهُ وإِنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ وإِنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ لأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاهُ وإِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاهُ وإِنَّ الْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ لا يَدْرِي مَا ذَا لَهُ ومَا ذَا عَلَيْهِ ولَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ولا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وهُوَ نَقِيُّ الرَّاحَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وأَمْوَالِهِمْ سَلِيمُ اللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ فَلْيَفْعَلْ.
وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْتَحِلُّ الْعَامَ مَا اسْتَحَلَّ عَاماً أَوَّلَ ويُحَرِّمُ الْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ وأَنَّ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ لا يُحِلُّ لَكُمْ شَيْئاً مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ولَكِنَّ الْحَلالَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ والْحَرَامَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَقَدْ جَرَّبْتُمُ الأمُورَ وضَرَّسْتُمُوهَا ووُعِظْتُمْ بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وضُرِبَتِ الأمْثَالُ لَكُمْ ودُعِيتُمْ إِلَى الأمْرِ الْوَاضِحِ فَلا يَصَمُّ عَنْ ذَلِكَ إِلا أَصَمُّ ولا يَعْمَى عَنْ ذَلِكَ إِلا أَعْمَى ومَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِالْبَلاءِ والتَّجَارِبِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ مِنَ الْعِظَةِ وأَتَاهُ التَّقْصِيرُ مِنْ أَمَامِهِ حَتَّى يَعْرِفَ مَا أَنْكَرَ ويُنْكِرَ مَا عَرَفَ وإِنَّمَا النَّاسُ رَجُلانِ مُتَّبِعٌ شِرْعَةً ومُبْتَدِعٌ بِدْعَةً لَيْسَ مَعَهُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بُرْهَانُ سُنَّةٍ ولا ضِيَاءُ حُجَّةٍ.
وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وسَبَبُهُ الأمِينُ وفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ ويَنَابِيعُ الْعِلْمِ ومَا لِلْقَلْبِ جِلاءٌ غَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ الْمُتَذَكِّرُونَ وبَقِيَ النَّاسُونَ أَوِ الْمُتَنَاسُونَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ وإِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَ يَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ اعْمَلِ الْخَيْرَ ودَعِ الشَّرَّ فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ.
أَلا وإِنَّ الظُّلْمَ ثَلاثَةٌ فَظُلْمٌ لا يُغْفَرُ وظُلْمٌ لا يُتْرَكُ وظُلْمٌ مَغْفُورٌ لا يُطْلَبُ فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يُغْفَرُ فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ وأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يُتْرَكُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً الْقِصَاصُ هُنَاكَ شَدِيدٌ لَيْسَ هُوَ جَرْحاً بِاْلمُدَى ولا ضَرْباً بِالسِّيَاطِ ولَكِنَّهُ مَا يُسْتَصْغَرُ ذَلِكَ مَعَهُ فَإِيَّاكُمْ والتَّلَوُّنَ فِي دِينِ اللَّهِ فَإِنَّ جَمَاعَةً فِيمَا تَكْرَهُونَ مِنَ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ فُرْقَةٍ فِيمَا تُحِبُّونَ مِنَ الْبَاطِلِ وإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُعْطِ أَحَداً بِفُرْقَةٍ خَيْراً مِمَّنْ مَضَى ولا مِمَّنْ بَقِيَ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ وطُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ وأَكَلَ قُوتَهُ واشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ وبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُلٍ والنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ.
الأنشطة الثقافية
1275قراءة
2016-01-05 14:45:23