لقد جاء في التاريخ أنّ إمرأةً كانت تُسمّى « هند بنت عبد الله بن عامر » لمّا قُتل أبوها جاءت إلى دار الإمام أمير المؤمنين علي عليهالسلام وبَقيَت هناك مدّة من الزمن تَخدم في دار الإمام ، وكانت على قدر من الجمال ، ولمّا قتل الإمام أمير المؤمنين إنتقلت إلى دار الإمام الحسن المجتبى عليهالسلام وكانت تخدم هناك في دار الإمام أيضاً ، فسمع عنها معاوية فطلبها وزوّجها لإبنه يزيد ، فبَقيت في دار يزيد ، وهي تَستَخبِر ـ دائماً عن الإمام الحسن والإمام الحسين عليهماالسلام وتُحاول أن تَسمَع أخبارهم من القادمين من المدينة المنوّرة.
ولمّا قتل الإمام الحسين عليهالسلام لم تَعلَم هند بالخبر!!
ولمّا جاؤوا بعائلة الإمام الحسين إلى الشام ، دخلت امرأة على هند وقالت لها : لقد أقبَلوا بسبايا ولا أعلَم من أين هم؟
فلعلّك تمضين إليهنّ وتتفرّجين عليهن؟!
فقامت هند ولَبِست أفخر ثيابها وتخمّرت بخِمارها ، ولبِست إزارها ـ أي : عباءتها ـ ، وأمرت خادمةً لها أن تُرافقها وتحمل معها الكرسي حتى لا تجلس على التراب.
ويقول البعض : أنّ يزيد صادفها قبل الخروج من القصر فاستأذنت منه ، فأذِن لها لكنّه تغيّر لونه وبَقي مذهولاً حيث إنّه خشي من مضاعفات ورود فِعل هذه الزيارة ، فهو يعلم أنّ زوجته الحظيّة عنده .. كانت ـ مدّة سنين ـ خادمة في دار أهل البيت ، وهي تحبّهم حبّاً كثيراً ، لأنّها قضت سنوات من حياتها خادمة لهم ، ولم ترَ منهم إلا العطف والإحترام ، والإنسانية والأخلاق العالية ، فماذا يصنع يزيد؟
هل يُوافق على الزيارة أم يَرفُض ذلك؟
ولكن يبدو أنّ شخصية هند كانت قويّة ، فقد فَرضَت نفسها على يزيد ، فأذن لها إلا أنّه طلب منها أن تكون الزيارة بعد المغرب ، حينما يُخيّم الظلام على الأرض ، فوافقت على ذلك.
وعند المساء أقبلت هند ومعها الخدم يحملون معهم القناديل لإضاءة الطريق. فلمّا رأتها السيدة زينب عليهاالسلام مُقبلة هَمَسَت في أذن أختها أم كلثوم وقالت : « أُخيّه أتعرفين هذه الجارية؟
فقالت : لا والله.
فقالت زينب : هذه خادمتنا هند بنت عبد الله!!
فسكتت أمّ كلثوم ونكّست رأسها!
وكذلك السيدة زينب نكّست رأسها.
فأقبلت هند وجلست على الكرسي قريباً من السيدة زينب ـ باعتبارها زعيمة القافلة ـ ، وقالت : أخيّة أراكِ طأطأتِ رأسكِ؟
فسكتت زينب ولم تردّ جواباً!
ثم قالت هند : أخيّه من أي البلاد أنتم!
فقالت السيدة زينب : من بلاد المدينة!
فلمّا سمعت هند بذكر المدينة نزلت عن الكرسي وقالت : على ساكنها أفضل السلام.
ثم التفتت إليها السيدة زينب وقالت : أراكِ نزلتِ عن الكرسي؟
قالت هند : إجلالاً لمن سكن في أرض المدينة!
ثم قالت هند : أخيّه أريد أن أسألكِ عن بيت في المدينة؟
فقالت السيدة زينب : إسألي عمّا بدا لكِ.
قالت : أسألكِ عن دار علي بن أبي طالب؟
قالت لها السيدة زينب : ومِن أينَ لكِ المعرفة بدار علي؟
فبَكت هند وقالت : إنّي كنت خادمة عندهم.
قالت لها السيدة زينب : وعن أيّما تسألين؟
قالت : أسألك عن الحسين واخوته وأولاده ، وعن بقيّة أولاد علي ، وأسألك عن سيدتي زينب! وعن أختها أم كلثوم وعن بقيّة مخدّرات فاطمة الزهراء؟
فبَكت ـ عند ذلك ـ زينب بكاءً شديداً ، وقالت لها يا هند : أمّا إن سألتِ عن دار علي فقد خَلّفناها تنعى أهلها!
وأما إن سألت عن الحسين فهذا رأسه بين يدي يزيد!!
وأمّا إن سألت عن العباس وعن بقية أولاد علي عليهالسلام فقد خلّفناهم على الأرض .. مجزّرين كالأضاحي بلا رؤوس!
وإن سالت عن زين العابدين فها هو عليل نحيل .. لا يطيق النهوض من كثرة المرض والأسقام ، وإن سألتِ عن زينب فأنا زينب بنت علي!! وهذه أمّ كلثوم ، وهؤلاء بقية مخدّرات فاطمة الزهراء!!!
فلمّا سمعت هند كلام السيدة زينب رقّت وبكت ونادت : واإماماه! واسيداه! واحسيناه! ليتني كنتُ قبل هذا اليوم عمياء ولا أنظر بنات فاطمة الزهراء على هذه الحالة ، ثم تناولت حجراً وضرب به رأسها!! فسال الدم على وجهها ومقنعتها ، وغشي عليها....
المصدر: كتاب زينب من المهد إلى اللحد للسيد محمد كاظم القزويني
دليلة
1775قراءة
2015-12-14 23:13:54