ذكرى المباهلة
بعد أن تحقق النصر للدعوة ونبيها الكريم محمد (ص) في أرجاء الجزيرة، وتم فتح مكة والطائف ودمرت معاقل الشرك والوثنية، وتلاشت سطوة قريش وجبروتها، وظهر الإسلام كقوة عقيدية وسياسية وعسكرية: أخذت وفود العرب تفد على رسول الله (ص) لتعلن إسلامها وولاءها، وكذلك فقد وجه رسول الله (ص) كتبه ورسله إلى الملوك والرؤساء، يدعوهم إلى الإسلام من منطلق القوة والوثوق بالوعد الإلهي بالنصر، وكان ممن وجه إليهم كتبه هم أساقفة نجران يدعوهم إلى الإسلام، ويعرفهم بدعوته. ونص كتابه المبارك هو: "بسم الله، من محمد رسول الله إلى أساقفة نجران، بسم الله فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب: أما بعد ذلكم فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم أذنتكم بحرب والسلام".
لقد أحدث هذا الكتاب هزة عنيفة في كيان النصارى في بلاد اليمن، ورأوا أن يقدموا على رسول الله (ص) بوفد يخوض حواراً عقائدياً وفكرياً، توجه الوفد برئاسة أبي حارثة الأسقف، فوصلوا المدينة المنورة ودخلوا على رسول الله (ص) في مسجده الشريف، وهم متباهون بزينتهم وحليهم، ظانين أن ذلك يؤثر على موقف رسول الله (ص) النفسي، وحين رآهم رسول الله متظاهرين بمظاهر العظمة المزيفة، قال لأصحابه: (دعوهم)، ثم التقوا رسول الله وبدأ الحوار والمسألة طوال ذلك اليوم، ثم سأل أبو حارثة رسول الله (ص): يا محمد ما تقول في المسيح؟ قال: (هو عبد الله ورسوله). فقال أبو حارثة: تعالى الله عما قلت، وكان يظن في المسيح ظن الربوبية، وحين اشتد إصرارهم على عقيدة الشرك وتأليه المسيح ورفض نبوة محمد (ص)، أراد الله سبحانه أن يظهر لهم نبوة محمد (ص) بإجابة دعوته وبطلان عقيدتهم ودعواهم، فأنزل الله على نبيه آية المباهلة، قال تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )، وعلى أثر هذا النص السماوي توجه الرسول (ص) بالخطاب إلى وفد النصارى: "إن لم تؤمنوا بي وتصدقوني، فتعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذب، وننتظر من سيقع عليه العذاب والعقاب الإلهي، فهو على باطل"، فقالوا للنبي: نباهلك غداً، ثم اجتمعوا فتحاوروا وتشاوروا بينهم، فقال أبو حارثة لوفده: أنظروا من جاء معه، وغدا رسول الله (ص) آخذاً بيديه المباركتين الحسن والحسين (ع) تتبعه فاطمة وعلي بن أبي طالب (ع) بين يديه. وغدا العاقب والسيد بابنين لهما عليهما الدر والحلي، وقد حفوا بأبي حارثة، فقال أبو حارثة: من هؤلاء معه ؟ قالوا: هذا ابن عمه، وهذه ابنته، وهذان ابناهما، فجثا رسول الله على ركبتيه ثم ركع، فقال أبو حارثة: جثا والله كما يجثو النبيون للمباهلة... إلخ. قال الزمخشري في سياق تفسير آية المباهلة: وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم: وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس، مفدون بها... وفي هذا دليل لا شئ أقوى منه على فضل أصحاب الكساء.
الأنشطة الثقافية
1396قراءة
2016-01-07 15:17:25