التمهيده لغيبة الإمام المهدي عجّل الله فرجه
إن من الإنجازات الكبيرة والمهمة للإمام الحسن العسكري عليه السلام تمهيده لغيبة الإمام المهدي عجّل الله فرجه والتي كان من أبرز مصاديقها ربط الأمة بالعلماء في زمن الغيبة الكبرى؛ فإن مرجعية العلماء وقيادتهم للشيعة بعد الغيبة الكبرى التي ابتدأت عام 329 هـ بوفاة الوكيل الرابع للإمام المهدي عليه السلام كانت تأسيساً حيويّاً من قبل الأئمة المعصومين عليهم السلام وبأمر من الله ورسوله، فهم الذين أمروا الشيعة بالرجوع إلى العلماء الفقهاء الذين تربّوا في مدرستهم الرسالية لأخذ معالم دينهم عنهم، وهذا المفهوم قد أعطى الإمام الصادق عليه السلام صبغته التشريعية بقوله عليه السلام: "ينظر من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا رادّ على الله وهو على حدّ الشرك بالله".
وكان للخطوات التي اتخذها الإمام الهادي عليه السلام الدور البارز في إعطاء الصيغة الاجتماعية الكاملة لمرجعية العلماء، فقد قال عليه السلام: "لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين إليه والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلاّ ارتدّ عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء شيعتنا كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، اُولئك هم الأفضل عند الله عز وجل".
إن الأساس والمرتكز الذي تقوم عليه فكرة إرجاع الأمة إلى الفقهاء العدول هو: "أن الأجيال المسلمة تحتاج باستمرار إلى المرشد والموجه والمفكّر المُدَّبر كي يعطيهم تعاليم دينهم ويرتفع بمستوى إيمانهم وعقيدتهم ويشرح لهم إسلامهم ويوجههم في سلوكهم الى العدل والصلاح ورضا الله عزّ وجلّ".
ووفقاً لذلك كان ما اتخذه الإمام العسكري عليه السلام من مواقف تمهيداً للغيبة، وتأسيساً لفكرة المرجعية ونظام الوكلاء الثقاة المأمونين من شيعته والذي كان من مهامّه إرجاع عامة الطائفة الى العلماء منهم.
وكان احتجابه عن الشيعة واتخاذ المراسلات والتواقيع الخارجة عنه سبيلاً آخر للتمهيد أيضاً، فقد جاء عنه عليه السلام التوثيق الصريح في العمري وابنه محمد: "العمري وابنه ثقتان فما أدّيا إليك فعني يؤديان وما قالا فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان".
ثم نجد أن الإمام العسكري عليه السلام كان يوجّه القواعد الشعبية للرجوع الى الفقهاء وتقليدهم وأخذ معالم دينهم عنهم بعد أن يذكر الصفات التي يجب أن يكونوا عليها بقوله عليه السلام: "فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه".
وبهذه الخطوات أكمل الإمام العسكري عليه السلام الدور الموكل إليه والمناط به في هذه المرحلة المهمة من تأريخ الرسالة الإسلامية، فقد أنشأ مدرسة علمية لها الدور الأكبر في حفظ تراث أهل البيت الرسالي ومبادئ الإسلام أوّلاً، ومن ثم كان لها الأثر الكبير في نشر فكرة الغيبة وتهيئته الذهنية العامة لتقبّلها ثانياً، كما كان لها مساهمة فعّالة في توجيه شيعة الإمام عليه السلام بالرجوع إلى الفقهاء الذين هم حصن الإسلام الواقي للمسلمين من الأعداء ثالثاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
مهدي
2667قراءة
2016-01-01 17:37:34